على فراش الموت
لما احتضر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه
حين
وفاته قال : و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد .
و قال
لعائشة :
انظروا ثوبي هذين , فإغسلوهما و كفنوني فيهما , فإن الحي أولى
بالجديد من
الميت .
و لما حضرته الوفاة أوصى عمر رضي الله عنه قائلا :
إني
أوصيك بوصية , إن أنت قبلت عني : إن لله عز و جل حقا بالليل لا يقبله
بالنهار
, و إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل , و إنه لا يقبل النافلة
حتى
تؤدى الفريضة , و إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة
بإتباعهم
الحق في الدنيا , و ثقلت ذلك عليهم , و حق لميزان يوضع فيه الحق
أن يكون
ثقيلا , و إنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة باتباعهم
الباطل ,
و خفته عليهم في الدنيا و حق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون
خفيفا.
ولما
طعن عمر
.. جاء عبدالله بن عباس , فقال .. : يا أمير المؤمنين , أسلمت
حين كفر
الناس , و جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خذله
الناس , و
قتلت شهيدا و لم يختلف عليك اثنان , و توفي رسول الله صلى
الله عليه و سلم
و هو عنك راض .
فقال له : أعد مقالتك فأعاد عليه ,
فقال : المغرور من غررتموه , و الله لو
أن لي ما طلعت عليه الشمس أو
غربت لافتديت به من هول المطلع .
و قال عبدالله بن عمر : كان رأس عمر
على فخذي في مرضه الذي مات فيه .
فقال : ضع رأسي على الأرض .
فقلت :
ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!
فقال : لا أم لك , ضعه على
الأرض .
فقال عبدالله : فوضعته على الأرض .
فقال : ويلي وويل أمي إن
لم يرحمني ربي عز و جل.
أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه و
أرضاه
قال
حين طعنه الغادرون و الدماء تسيل على لحيته :
لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين .
اللهم إني أستعديك و أستعينك على جميع أموري و
أسألك الصبر على بليتي .
ولما إستشهد فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا
مقفلا . ففتحوه فوجدوا فيه
ورقة مكتوبا عليها (هذه وصية عثمان)
بسم
الله الرحمن الرحيم .
عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله و حده لا
شريك له و أن محمدا عبده و
رسوله و أن الجنة حق . و أن الله يبعث من في
القبور ليوم لا ريب فيه إن
الله لا يخلف الميعاد . عليها يحيا و عليها
يموت و عليها يبعث إن شاء الله
.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه
بعد أن طعن علي رضي الله عنه
قال : ما فعل بضاربي ؟
قالو
: أخذناه
قال : أطعموه من طعامي , و اسقوه من شرابي , فإن أنا عشت رأيت
فيه رأيي , و
إن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها .
ثم
أوصى الحسن أن يغسله و قال : لا تغالي في الكفن فإني سمعت رسول الله صلى
الله
عليه و سلم يقول : لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا
و أوصى :
إمشوا بي بين المشيتين لا تسرعوا بي , و لا تبطئوا , فإن كان
خيرا
عجلتموني إليه , و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .
معاذ بن جبل
رضي الله عنه و أرضاه
الصحابي الجليل معاذ بن جبل .. حين حضرته الوفاة
..
و جاءت ساعة الإحتضار .. نادى ربه ... قائلا .. :
يا رب إنني كنت
أخافك , و أنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أنني ما كنت
أحب الدنيا
لجري الأنهار , و لا لغرس الأشجار .. و إنما لظمأ الهواجر , و
مكابدة
الساعات , و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم .
ثم فاضت روحه بعد أن
قال :لا إله إلا الله ...
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال .. : نعم الرجل معاذ بن
جبل
و روى البخاري أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : أرحم الناس بأمتي
أبوبكر .... إلى أن قال ... و
أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ .
بلال بن رباح رضي الله عنه و أرضاه
حينما
أتى بلالا الموت .. قالت زوجته : وا حزناه ..
فكشف الغطاء عن وجهه و هو
في سكرات الموت .. و قال : لا تقولي واحزناه , و
قولي وا فرحاه
ثم
قال : غدا نلقى الأحبة ..محمدا و صحبه .
أبو ذر الغفاري رضي الله
عنه و أرضاه
لما حضرت أبا ذر الوفاة .. بكت زوجته .. فقال : ما يبكيك ؟
قالت
: و كيف لا أبكي و أنت تموت بأرض فلاة و ليس معنا ثوب يسعك كفنا ...
فقال
لها : لا تبكي و أبشري فقد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لنفر
أنا
منهم :ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين
و ليس
من أولئك النفر أحد إلا و مات في قرية و جماعة , و أنا الذي أموت
بفلاة ,
و الله ما كذبت و لا كذبت فانظري الطريق
قالت :أنى و قد ذهب الحاج و
تقطعت الطريق
فقال انظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا :
ما لك يا أمة
الله ؟
قالت : امرؤ من المسلمين تكفونه ..
فقالوا :
من هو ؟
قالت : أبو ذر
قالوا : صاحب رسول الله
ففدوه بأبائهم و
أمهاتهم و دخلوا عليه فبشرهم و ذكر لهم الحديث
و قال : أنشدكم بالله ,
لا يكفنني أحد كان أمير أو عريفا أو بريدا
فكل القوم كانوا نالوا من ذلك
شيئا غير فتى من الأنصار فكفنه في ثوبين لذلك
الفتى
و صلى عليه
عبدالله بن مسعود
فكان في ذلك القوم
رضي الله عنهم أجمعين.
الصحابي
الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه و أرضاه
لما جاء أبا الدرداء الموت
... قال :
ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟
ألا رجل يعمل لمثل يومي
هذا ؟
ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟
ثم قبض رحمه الله.
سلمان
الفارسي رضي الله عنه و أرضاه
بكى سلمان الفارسي عند موته , فقيل له :
ما يبكيك ؟
فقال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكون زاد
أحدنا كزاد
الراكب , و حولي هذه الأزواد .
و قيل : إنما كان حوله
إجانة و جفنة و مطهرة !
الإجانة : إناء يجمع فيه الماء
الجفنة :
القصعة يوضع فيها الماء و الطعام
المطهرة : إناء يتطهر فيه.
الصحابي
الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
لما حضر عبدالله بن مسعود الموت
دعا إبنه فقال : يا عبدالرحمن بن عبدالله
بن مسعود , إني أوصيك بخمس
خصال , فإحفظهن عني :
أظهر اليأس للناس , فإن ذلك غنى فاضل .
و دع
مطلب الحاجات إلى الناس ,
فإن ذلك فقر حاضر .
و دع ما تعتذر منه من
الأمور , و لا تعمل به .
و إن إستطعت ألا يأتي عليك يوم إلا و أنت خير
منك بالأمس , فافعل .
و إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع , كأنك لا تصلي
بعدها .
الحسن بن علي سبط رسول الله و سيد شباب أهل
الجنة رضي
الله عنه
لما حضر الموت بالحسن بن علي رضي الله عنهما , قال :
أخرجوا
فراشي إلى صحن الدار , فأخرج فقال :
اللهم إني أحتسب نفسي عندك , فإني
لم أصب بمثلها !
الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله
عنه
قال
معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني ..
فأجلسوه .. فجلس
يذكر الله .. , ثم بكى .. و قال :
الآن يا معاوية .. جئت تذكر ربك بعد
الانحطام و الانهدام .., أما كان هذا و
غض الشباب نضير ريان ؟!
ثم
بكى و قال :
يا رب , يا رب , ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي ..
اللهم أقل العثرة و
اغفر الزلة .. و جد بحلمك على من لم يرج غيرك و لا
وثق بأحد سواك ...
ثم فاضت رضي الله عنه.
الصحابي الجليل عمرو بن
العاص رضي الله عنه
حينما حضر عمرو بن العاص الموت .. بكى طويلا .. و
حول وجهه إلى الجدار ,
فقال له إبنه :ما يبكيك يا أبتاه ؟ أما بشرك
رسول الله ....
فأقبل عمرو رضي الله عنه إليهم بوجهه و قال : إن أفضل ما نعد
... شهادة أن
لا إله إلا الله , و أن محمدا رسول الله ..
إني كنت
على أطباق ثلاث ..
لقد رأيتني و ما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله
عليه و سلم مني , و لا
أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته , فلو مت
على تلك الحال لكنت من
أهل النار.....
فلما جعل الله الإسلام في قلبي
, أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت :
إبسط يمينك فلأبايعنك , فبسط
يمينه , قال : فقضبت يدي ..
فقال : ما لك يا عمرو ؟
قلت : أردت أن
أشترط
فقال : تشترط ماذا ؟
قلت : أن يغفر لي .
فقال : أما علمت أن
الإسلام يهدم ما كان قبله , و أن الهجرة تهدم ما كان
قبلها , و أن الحج
يهدم ما كان قبله ؟
و ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه و
سلم و لا أحلى في عيني
منه , و ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له
, و لو قيل لي صفه لما
إستطعت أن أصفه , لأني لم
أكن أملأ عيني منه ,
و
لو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ,
ثم ولينا أشياء , ما
أدري ما حالي فيها ؟
فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة و لا نار , فإذا
دفنتموني فسنوا علي التراب
سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور و
يقسم لحمها ,
حتي أستأنس بكم ,
و أنظر ماذا أراجع به رسل ربي ؟
الصحابي
الجليل أبو موسى الأشعري
لما حضرت أبا موسى - رضي الله عنه - الوفاة ,
دعا فتيانه , و قال لهم :
إذهبوا فاحفروا لي و أعمقوا ...
ففعلوا ..
فقال
: اجلسوا بي , فو الذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين , إما ليوسعن
قبري
حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعا , و ليفتحن لي باب من
أبواب الجنة ,
فلأنظرن
إلى منزلي فيها و إلى أزواجي , و إلى ما أعد الله عز و جل لي فيها
من
النعيم , ثم لأنا أهدى إلى منزلي
في الجنة مني اليوم إلى أهلي , و
ليصيبني
من
روحها و ريحانها حتى أبعث .
و إن كانت الأخرى ليضيقن علي قبري حتى
تختلف منه أضلاعي , حتى يكون أضيق من
كذا و كذا , و ليفتحن لي باب من
أبواب جهنم , فلأنظرن إلى مقعدي و إلى ما
أعد الله عز و جل فيها من
السلاسل و الأغلال و القرناء , ثم لأنا إلى
مقعدي من جهنم لأهدى مني
اليوم إلى منزلي , ثم ليصيبني من سمومها و حميمها
حتى أبعث .
سعد
بن الربيع رضي الله عنه
لما إنتهت غزوة أحد .. قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : من يذهب فينظر
ماذا فعل سعد بن الربيع ؟
فدار رجل من
الصحابة بين القتلى .. فأبصره سعد بن الربيع قبل أن تفيض روحه
.. فناداه
.. : ماذا تفعل ؟
فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني لأنظر
ماذا فعلت ؟
فقال سعد :
إقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني
السلام و أخبره أني ميت و أني
قد طعنت إثنتي عشرة طعنة و أنفذت في ,
فأنا هالك لا محالة , و إقرأ على
قومي من السلام و قل لهم .. يا قوم ..
لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله
صلى الله عليه و سلم و فيكم عين تطرف
...
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد
لله الواحد العلام
و على النبي الكريم الصلاة و السلام
أما بعد ..
فهذا
ما تيسر جمعه من على فراش الموت ..
جمعتها تذكرة لنفسي أولا و لإخواني
.. لنأخذ منها العظة .. و لنتذكر حقيقة
هذه الدنيا ...
و خير ختام
لهذه الحلقات .. اللحظات الأخيرة على فراش موت النبي عليه أفضل الصلاة و
أزكى السلام ...
في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية
عشرة للهجرة
كان المرض قد أشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم ، و سرت
أنباء مرضه بين
أصحابه ، و بلغ منهم القلق مبلغه ، و كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم
قد أوصى أن يكون أبو بكر إماما لهم ، حين أعجزه المرض
عن الحضور إلى
الصلاة .
و في فجر ذلك اليوم و أبو بكر يصلي بالمسلمين
، لم يفاجئهم و هم يصلون إلا
رسول الله و هو يكشف ستر حجرة
عائشة ، و
نظر إليهم و هم في صفوف الصلاة ،
فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن
يخرج للصلاة ، فأراد أن يعود
ليصل الصفوف ، و هم المسلمون
أن يفتتنوا في
صلاتهم ، فرحا برسول الله
صلى الله عليه و سلم
فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و
أومأ إلى أبي بكر ليكمل
الصلاة ، فجلس عن جانبه و صلى عن يساره ....... و
عاد رسول الله إلى حجرته ،
و فرح الناس بذلك أشد الفرح ، و ظن الناس أن
رسول الله صلى الله عليه و
سلم قد أفاق من وجعه ، و
إستبشروا بذلك خيرا
...
و جاء الضحى .. و عاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فدعا
فاطمة
.. فقال لها سرا أنه سيقبض في وجعه هذا .. فبكت لذلك .. ،
فأخبرها أنها أول
من يتبعه من أهله ، فضحكت ...
و إشتد الكرب برسول
الله صلى الله عليه و سلم .. و بلغ منه مبلغه ...
فقالت فاطمة : واكرباه
... فرد عليها رسول الله قائلا : لا كرب على أبيك
بعد اليوم
و أوصى
رسول الله صلى الله عليه و سلم وصيته للمسلمين و هو على فراش موته :
الصلاة
الصلاة .. و ما ملكت أيمانكم ...... الصلاة الصلاة و ما ملكت
أيمانكم
.... و كرر ذلك مرارا ......
و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده السواك
، فنظر إليه رسول الله ، قالت
عائشة : آخذه لك .. ؟ ، فأشار برأسه أن
نعم ... فإشتد عليه ... فقالت
عائشة : ألينه لك ... فأشار برأسه أن نعم
... فلينته له ...
و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل يديه في
ركوة فيها ماء ، فيمسح
بالماء وجهه و هو يقول : لا إله إلا الله ... إن
للموت
لسكرات ...
و في النهاية ... شخص بصر رسول الله صلى الله عليه و
سلم ... و تحركت
شفتاه قائلا : .... مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و
الصديقين و الشهداء
و الصالحين ، اللهم إغفر لي و إرحمني ... و ألحقني
بالرفيق الأعلى اللهم
الرفيق الأعلى
اللهم الرفيق الأعلى
اللهم
الرفيق الأعلى
و فاضت روح خير خلق الله .. فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها
.. فاضت روح من
أرسله الله رحمة للعالمين و صلى اللهم عليه و سلم
تسليما.
ربي أشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني
يفقهوا
قولي
منقووووووووول