الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي بعث الرسل مبشرين ومنذرين , مبشرين بالخير الوفير والأجر العظيم من الله إن هم أطاعوا الرسل , ومنذرين ناراً تلظى لمن عصى أمر الله عز وجل , وعلى آله وصحبه أجمعين سيد ولد آدم النبي المصطفى من أولي العزم من الرسل , وعلى آله وصحبه الكرام الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون , ومن سار على نهجهم واقتفى الأثر إلى يوم الدين وبعد :
قال تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ( آل عمران )
نزلت هذه الآيات في نبينا صلوات الله وسلامه عليه والمؤمنين حينما توعدهم أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه حينما قال / أخبر محمداً وأصحابه أني ندمت على تركهم أحياء بعدما انتصرت عليهم وإني جامع جيوشي وقادم عليهم
فقال النبي والمؤمنون / ( حسبنا الله ونعم الوكيل )
فهو الكافي لنا ما أهمنا , ونفوض إليه أمرنا
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء
فما كان من أبي سفيان ومن معه إلا عادوا إلى مكة وجلين خائفين قد ألقى الله في قلوبهم الرعب ,
وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من حمراء الأسد سالمين غانمين , لأن الله كفاهم ما أهمهم
هذا هو الإيمان الذي يزلزل قلوب الكفرة الملحدين , والعصاة الطاغين الذين يظنون أن لهم من الأمر شيئاً , وما علم المساكين أن مقاليد السماوات والأراضين بيده وحده ...
فيا أيها الأحبة
إن لله تبارك وتعالى حكماً جرت على عباده البشر , وقضاء لا زال نافذاً منه سبحانه وتعالى ..
فقد اصطفى الله سبحانه وتعالى أقواماً من البشر ليبلغوا دين الله عز وجل , هم الأنبياء عليهم السلام ...
فأمرهم سبحانه بتبليغ دينه لمن حاد عن الطريق , وأمرهم بالصبر على الأذى في ذلك ..
فكانت هذه سنة الله عز وجل في أنبيائه ,, فكان الأنبياء يبتلون في تبليغ هذا الدين
عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ). رواه الترمذي و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
أما الخليل إبراهيم عليه السلام حطم الأصنام فأُلقي في النار , فكانت بأمر الله برداً وسلاماً
قال تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ{51} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ{52} قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ{53} قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{54} قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ{55} قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{56} وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ{57} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ{58} قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ{59} قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ{60} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ{61} قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ{62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ{63} فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ{64} ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ{65} قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ{66} أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ{67} قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ{68} قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ{69} وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ{70} وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ{71} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ{72} ) الأنبياء
وهذا لوط عليه السلام , دعا قومه لعباده الله وحده ونبذ وترك الفاحشة ,, فزجروه وتوعدوه بإخراجه من القرية , فكانت العزة والغلبة للحق
قال تعالى( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ{160} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ{161} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ{162} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{163} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ{164} أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ{165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ{166} قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ{167} قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ{168} رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ{169} فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ{170} إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ{171} ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ{172} وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ{173} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ{174} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{175} الشعراء
وقال فيه سبحانه : ( وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ{74} وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} ( الأنبياء )
وهذا كليم الله موسى عليه السلام ,
لقي الأذى من فرعون وجنوده فسخر به فقال بسخرية { فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38
فأعقب الله عز وجل فرعون وجنوده الذل والهوان في الدنيا والآخرة
( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ{39} فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ{40} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ{41} وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ{42} ( القصص )
وقال فيهم ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ{45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{46 ) ( غافر )
وقد اجتمع ذات يوم روؤس الشرك في مكة وسدنة الوثنية في حادثة مشهورة حفظها لنا التاريخ وسطرها بمداد الفخر والعز بنصر الله
فلمن كانت الغلبة والكرة في النهاية ؟؟
قالوا عن حبيبنا
شاعر
وقالوا
كاهن
وقالوا
ساحر
وقالوا
مجنون
حاشاه ذلك
فهل ضره ذلك القول ؟؟!!!
, بل ما زاده إلا رفعة
وما نسخ الله تلك الآيات ولا قولهم فيه , بل إن المآذن تصدح بها آناء الليل وأطراف النهار ,,
ليعلم الدعاة
أن قول أهل الباطل وسبهم وشتمهم لأهل الحق , لا يزيدهم إلا رفعة
أما سمعت قول الشاعر
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت قيض لها لسان حسود
واعلموا يا أيها الأحبة
أن أهل الباطل لا حيلة لهم , إلا السب والشتام
ولا دليل ولا برهان عندهم ليقنعوا به الناس
فيبدوا بالصراخ والسب والشتام حتى يوهموا الناس أنهم على حق
ألا ترون قناة صفا , وما يفعله الشيعة من سب وشتام للصحابة والبخاري وغيرهم , كله لأنه لا دليل ولا حجة ولا برهان عندهم ليجادلوا به
وامتد الأذى لينال الصحابة رضوان الله عليهم , ولقد لقوا صنفواً من العذاب على يد المشركين ,,
حتى جاء خباب بن الأرت رضي الله عنه للنبي فقال في ذلك
شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون رواه البخاري . وفي رواية وهو متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة
( ومن الطرائف واستطراد ـ في محله ـ أن إحدى الأخوات تقول لي / أنا أخشى أن أمشي وحدي في طريق مظلم , فقلت / أما أنا فلا أخشى أن أمشي في طريق في ظلمة الليل وحدي , فقد أتم الله الدين , وأنعم علينا بالأمن والآمان في ربوع بلادنا , ـ وهذه الشجاعة أتوقع أنها تتفاوت من شخص لآخر , فأذكروا الله ولا تعطوني عين )
فأتم الله ذلك الأمر للمسلمين وأعزهم
فأصبح العرب والعجم يخشونهم
وأتم الله الأمر
حتى ما تصل إلى قريش حبة حنطة إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأتم الله الأمر
بفتح مكة
وتسلمِ زمام أمرها من أُخرج منها طريداً , وأعطى من يشاء مفتاح الكعبة , وأمر من يشاء ـ بلال بن رباح ـ أن يصعد فيؤذن فوق الكعبة ..
فيا أيها الأحبة
إن العزة والغلبة للحق
مهما طال ليل الظلم
ومهما تكالب الأعداء , ليقنعوا الناس بباطلهم
ومهما صفق لهم أتباعهم
فالعاقبة للمتقين
والأرض لله يرثها عباده الصالحون
فيا أيها الدعاة
إجعلوا سير الأنبياء نصب أعينكم